20 déc. 2013

النورسُ المُهاجِر


هو أخٌ لي لم تلِدْه أمّي. غادرتُه طوعاً ومُكرَهاً كما غادرتُ أحبة لي كثيرين من بينهم أمي. حدث ذلك منذ ما يقارب الثلاثين سنة. فرّقتْ بيننا الجغرافيا ولكن التاريخ ظل يجمعنا رغم أنفنا. نحن معا نورسان مهاجران. وهل يملك النورس شيئا غير الهجرة؟ عانقنا أحلاماً عاتية كادت تهدمنا ونحن في ريعان الشباب. كنا صادقين في "الفعل" في غابة من الخونة... وكم كان صديقي صادقاً! وأنا أيضا.
التقيتُه مؤخرا بفضل/بسبب الموت الكريه. ولما رأيتُه رأيتُني فيه. التقيتُ نصفي الثاني الذي طالما شدني الحنين إليه. هو وحده يعلم ذلك.
عهدتُه شغوفا بالمواد العلمية التي يُدَرِّسها، ولكن أيضاً بالشعر والنثر الجميل. كنت أعتقد أنَّ الشعر فيه أفل، ولكنه بعد اللقيا داهمني بهذا النص الذي يحيل إلى مرحلة ما من حياتنا معاً.

يحلو لي أن أتشاطره مع قراء هذه المدونة.


إدريس عويدي

النورسُ المُهاجِر

أخِي أحْمد

عَنيدٌ أنتَ كالإيمان

وديعٌ أنتَ كالكُفر.

عِربيدٌ أنتَ كالخَمْر

هلْ تتذكَّر؟

على الطّريق

بين محطَّةِ الحافلة

وباب الحانة

كانتْ أحلامُنا

تنتحِر

كانتْ آمالُنا

تحتضِر

كُنّا نخْشى موتَ

الفجْر


لأنَّ الكفنَ

بين الشِّفاه

يحترق

يتبخر

عاقَرناه

في التّبغ الأصفر

أنفاسُنا هواءُ قطرانٍ

مُقطَّر

تركْنا الجُعّة

فوق طاولة الانتظار

تتخَمَّر

لا شيءَ في الخمارةِ تغيَّر

سوى رحيل العربيد الأسْمر

وأحزان النبيذ الأحمر.

أخي أحمد

أنت الآن

في الضّفة الأخرى

نورسُ المَهجر

اعْلَمْ أنَّ النوارسَ هنا... في خبر كان

فلا تسألْ: ما الأمر؟

وما الخبر؟

قاوم هناك طُغيان

الضَّجر

ولا تنتظر الانتظار

انفجِر

نحنُ هنا في انفجارك

نفتخِر

نُصفّق للانتظار

ننتظر...

في محطة قطارٍ

لن يمر

لاعتبار بسيط:

قطارنا مشلول

أعور

حديدُ سكّته

من لهيب الانتظار

انصهر.

حلْمُنا رُخّ الأسطورة

إن هوَ تحرّر.

Aucun commentaire: